الفصل الثالث

 

العقيدة الحشوية

 

العقيدة الوهابية هي إحياءٌ لعقيدة التجسيم الحشوية ، نتيجة لإعجاب محمد بن عبدالوهاب بها ، وهاهم أذنابه يقتفون أثره ، إن سقوط هذه العقيدة حتمي يؤمن به حتى معتنقوها بل وسدنتها ؛ لذا فهم يهربون من أي نقاش علني فيها.

 

مدار العقيدة الحشوية

مدار العقيدة الحشوية تجسيم المولى سبحانه وتعالى ، ونحن سنترك أمر الرد عليهم لعالم من علماء الحنابلة ، لينتِّف ريشهم ؛ فهم يلزون أنفسهم بمذهب الإمام أحمد بن حنبل زوراً وبهتانا ، وهذا أحد كبار علماء المذهب الحنبلي ، وإليك ما يقوله فيهم ؛ وذلك من كتاب:

 

الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب

 

المؤلف والكتاب :

هو الإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي الحنبلي المتوفى سنة597هـ ، و الكتاب تحقيق محمد منير الإمام / مركز الخدمات والأبحاث الثقافية / دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع ش.م.م/ص.ب5279/14 . بيروت - لبنان.

مقتطفات من مقدمة المحقق :

( الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه ورضي الله عن الأئمة الأعلام حماة هذا الدين ، صرفوا أوقاتهم في الذب عن الشريعة ضد الملحدين والمعطلين والمجسمة والمشبهة وغيرهم من الفرق الضالة ، فبينوا للعامة الغث من السمين والحق من الباطل أما بعد فقد رأيت كتاب الإمام العلامة عبد الرحمن بن أبي الحسن علي بن محمد القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ المعروف بابن الجوزي المسمى ( الباز الأشهب المنقض على مخالفي المذهب ) الذين خالفوا مذهب ومعتقد الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، ونسبوا له ما لا يعتقده ، وافتروا عليه بما لا يقله أدنى مسلم فكيف بهذا الإمام العظيم ، الجليل القدر ، فإنه ابتلي في حياته فصبر وفاز ، وابتلي في مماته بأكثر المنتسبين إليه ، فجزاه الله خيرا ... وهذا الكتاب قاصماً لظهور المشبهة مشتتاً لبدع المجسمة ضارباً حججهم الواهية بسيف الشرع طاعناً أفكارهم برمح العقل السليم الذي هو شاهد للشرع الحنيف ، قاذفاً آرائهم بمقلاع الحجج والبراهين كاشفاً ستار الجهل والضلال ، مبيناً للعامة أضاليلهم وتمويهاتهم ...الخ ) .

 

مقتطفات من مقدمة المؤلف ابن الجوزي:

( …ورأيت من أصحابنا من تكلم في الأصول بما لا يصلح ، وانتدب للتصنيف ثلاثة أبو عبدالله بن حامد ، وصاحبه القاضي ( أي الفراء ) وابن الزاغوني ؛ فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب ورأيتهم قد نزلوا إلى منزلة العوام ، فحملوا الصفات على مقتضى الحس . فسمعوا أن الله تعالى خلق آدم على صورته ، فأثبتوا له صورة ووجهاً زائداً على الذات ، وعينين وفماً ولهوات وأضراساً وجهة هي السبحات ويدين وأصابع وكفاً وخنصراً وصدراً وفخذاً وساقين ورجلين .

وقالوا : ما سمعنا بذكر الرأس .

وقالوا : يجوز أن يمِس ويُمس ، ويدني العبد من ذاته .

وقال بعضهم : ويتنفس .

وقد أخذوا بالظاهر في الأسماء والصفات ، فسموها بالصفات تسمية مبتدعة لا دليل لهم في ذلك من النقل ولا من العقل ، ولم يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة لله تعالى ولا إلى إلغاء ما يوجبه الظاهر من سمات الحدوث ، ولم يقنعوا أن يقولوا صفة فعل ، حتى قالوا صفة ذات ، ثم أثبتوا أنها صفات ذات قالوا : لا نحملها على توجيه اللغة مثل يد على نعمة وقدرة ومجيء وإتيان على معنى بر ولطف ، وساق على شدة ، بل قالوا : نحملها على ظواهرها ، والظاهر المعهود من نعوت الآدميين ، والشيء إنما يجعل على حقيقته إذا أمكن وهم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم ويقولون : نحن أهل السنة وكلامهم صريح في التشبيه وقد تبعهم خلق من العوام . فقد نصحت التابع والمتبوع فقلت لهم : يا أصحابنا أنتم أصحاب نقل وأتباع إمامكم الأكبر يقول وهو تحت السياط : ( كيف أقول ما لم يقل ) . فإياكم أن تبتدعوا في مذهبه ما ليس فيه ، ثم قلتم في الأحاديث ، تحمل على ظاهرها . وظاهر القدم الجارحة ، فإنه لما قيل في عيسى روح الله اعتقدت النصارى أن لله صفة هي روح ولجت في مريم ، ومن قال : استوى بذاته فقد أجراه مجرى الحسيات ، وينبغي أن لا يهمل ما يثبت به الأصل ؛ وهو العقل ، فإنه به عرفنا الله تعالى ، وحكمنا له بالقدم ، فلو أنكم قلتم : نقرأ الأحاديث ونسكت ، ما أنكر عليكم أحد ، إنما حمْلكم إياها على الظاهر قبيح ، فلا تُدخلوا في مذهب هذا الرجل الصالح السلفي ما ليس فيه . ولقد كسيتم هذا المذهب شيئا قبيحاً حتى لا يقال حنبلي إلا مجسم ، ثم زينتم مذهبكم بالعصبية ليزيد بن معاوية ، ولقد علمتم أن صاحب المذهب أجاز لعنته ، وقد كان أبو محمد التميمي يقول في بعض أئمتكم : لقد شان هذا المذهب شينا قبيحاً لا يغسل إلى يوم القيامة ).اهـ

 

أمثلة من معتقدات الحشوية الفاسدة

من كتاب السيف الحاد في الرد على من أخذ بحديث الآحاد في مسائل الاعتقاد للعلامة القنوبي

 

الحشوية يثبتون بعض القضايا العقدية ، التي لها تعلق بأسماء الله وصفاته ، أو وعده ووعيده ، إلى غير ذلك مما له تعلق بباب الاعتقاد ، ويكفرون من خالفهم في ذلك ، ويفسقونه ، ويضللونه ، ويبدعونه ، ولا دليل لهم على ذلك ولا مستند ، إلا مجرد الاعتماد على بعض أحاديث الآحاد التي يجوزون على رواتها الخطأ والغلط والوهم والذهول والنسيان إلى غير ذلك مما لا يكاد يسلم منه إنسان ، ومن هنا تراهم يتخبطون في عقائدهم تخبط عشواء فنجدهم اليوم يصوبون من كان بالأمس يفسقونه ، وتراهم في الغد يحكمون بفساد ما اليوم يعتقدونه ، وقد رد عليهم الكثير من علماء أهل السنة نذكر منهم الكوثري والسقاف والأستاذ أبو غدة والشيخ أبو اسحاق الشيرازي والإمام أبو بكر الشاشي وآخرون ، ومن الكتب التي ناقشتهم كتاب المحضر الذي كتبه جماعة من أئمة الشافعية ، وكذلك كتاب التذكرة الشرقية كما في ( إتحاف السادة المتقين ) للإمام الزبيدي .

والأمثلة على ضلالات الحشوية ونبتتهم الشيطانية الوهابية ؛ واختلافهم في مسائل الاعتقاد كثيرة جداً سنذكر منها التالي :

1 . قال عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه الذي رد به على بشر المريسي :

( أ ) قال في ص25 : ( خلق آدم بيده مسيسا ) وقد ذكر ذلك في مواضع ، فتراه يحمل خلقه سبحانه لآدم على مزاولة الطين بالجارحة .

( ب ) قال ص74 : ( إنه ليقعد على الكرسي فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ) .

( ج ) قال ص20 : ( الحي القيوم ... يتحرك إذا شاء ، وينزل ويرتفع إذا شاء ، ويقبض ويبسط إذا شاء ، ويقوم ويجلس إذا شاء ، لأن أمارة ما بين الحي والميت التحرك . كل حي متحرك لا محاله ، وكل ميت غير متحرك لا محاله )

 

قال الكوثري : ( فإذا معبود هذا الخاسر يقوم ويمشي ويتحرك ، ولعل هذا الاعتقاد ورثه هذا السجزي من جيرانه عباد البقر ، ومن اعتقد ذلك في إله العالمين يكون كافراً باتفاق ، فياويح من يقتدي بمثله في الصلاة أو يناكحه ، فماذا تكون حال من يرتضي هذا الكتاب أو يوصي به أشد الوصية أو يطبعه للدعوة إلى ما فيه ؟ وهذا توحيدكم الذي إليه تدعون الناس )

( د ) قال ص85 : ( ولو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقرت به بقدرته ولطف ربوبيته ، فكيف على عرش عظيم )

قال الكوثري : ( هذا كلام في الله سبحانه كأن جواز استقرار معبوده على ظهر بعوضة أمر مفروغ منه مقبول ، فيستدل بذلك على جواز استقراره تعالى على العرش الذي هو أوسع من ظهر البعوضة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، ولا أدري أحدا من البشر نطق بمثل هذا الهذر قبل هذا السجزي والحراني ابن تيمية المؤتم به وأشياعهما )

 

( هـ ) قال ص 100 : ( من أنبأك أن رأس الجبل ليس بأقرب إلى الله من أسفله ، ورأس المنارة ليس بأقرب إلى الله من أسفلها )

قال الكوثري : ( وكلامه هذا يدل على أنه كان يتطلع إلى معبوده من رؤوس الجبال والمآذن والمراصد ، كما هو صنيع الصابئة الحرانية عبدة الأجرام العلوية . وأما المسلمون فهم يعتقدون أن الله سبحانه منـزه عن المكان ، ونسبته إلى الأمكنة سواء ، وليس القرب من بالمسافة ولا البعد عنه بالمسافة قال تعالى : ( واسجد واقترب ) (العلق19) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) أخرجه النسائي وغيره ، وهذا الخاسر وأشياعه يقولون : لا ، بل اطلع رأس الجبل واصعد فوق المرصد تتقرب إلى المعبود ، فهل بعد هذا كفر )؟ اهـ

 

2. مسألة استقرار الله ـ سبحانه وتعالى ـ على العرش ـ تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيرا:

حيث قال بذلك بعض أرباب هذه النحلة ( الخاسرة ) كالدارمي المجسم وابن تيمية وابن القيم ، بل قال بعضهم إنه يُقعِد بجنبه يوم القيامة نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وقد وضعوا للتدليل على ذلك بعض الأحاديث كما وضعوا أيضاً عدة أبيات على الإمام الدارقطني منها :ـ

فلا تنكروا أنه قاعد           ولا تجحدوا أنه يقعده

 

وأورده ابن القيم في بدائع الفوائد ج4 ص48 هكذا:

ولا تنكروا أنه قاعد           ولا تنكروا أنه يقعده

 

والكل كذب فقاتل الله الكذب والكذابين ومن يدافع عنهم .

والمتهم بوضع هذا البيت هو ابن كادش الكذاب أو شيخه العشاري المغفل ، وقد كان أحد مجانينهم ، يقول : لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثاً أن الله يُقعِدُ محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش واستفتاني لقلت له : صدقت وبررت ، كذا قال هذا اللعين أخزاه الله وعامله بما يستحق .

وذهبت طائفة منهم إلى نفي ذلك مع القول بالعلو الحسي ـ تعالى الله عن ذلك ـ وممن ذهب إلى ذلك ناصر الألباني المتناقض حيث قال في مختصر علوه السافل بعد كلام : … … فإنه يتضمن نسبة القعود إلى الله عز وجل وهذا يستلزم نسبة الاستقرار عليه تعالى وهذا مما لم يرد فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل . اهـ

 

يقول العلامة القنوبي :

بل ولم يثبت شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العلو الحسي وما استدلوا به على ذلك موضوع وباطل مخترع مصنوع وما صح من ذلك فلا دليل فيه على ذلك البتة .

ويقول : وكما أنه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك ، كذلك لم يثبت شيء عن صحابته صلى الله عليه وسلم ، وما روي عنهم فكذب صريح عليهم .

ونحن نتحدى هؤلاء الحشوية أن يأتوا لنا برواية صحيحة فيها التصريح بالاستقرار أو الاستواء الحسي وليستظهروا على ذلك بمن شاءوا ولو بالثقلين جميعا ، كما أننا نتحدى أرباب هذه النحلة للمناظرة في هذه المسألة أو غيرها من المسائل العقدية .

هذا وكما أنهم كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم في هذه المسألة وغيرها كذلك كذبوا على الأئمة حيث نسبوا إليهم القول بالاستواء الحسي وهم كاذبون ، وقد ذكرنا طرفا من كذبهم على الأئمة الأربعة في مقال سابق.

 

من كذب الحشوية

سنفرد هذا المقال للحديث عن كتاب افتراه الحشوية على عبدالله بن أحمد بن حنبل ، وسمَّوه كتاب السنة لابن الإمام أحمد ونجزم بعدم ثبوته عنه لأن في الإسناد إليه راوياً مجهولا وفيه من العظائم كثير نذكر منها التالي:

( أ ) . قال ص5 : ( فهل يكون الاستواء إلا بالجلوس ) .

(ب) . قال ص70 : ( إذا جلس الرب على الكرسي سمُع له أطيط كأطيط الرَّحل الجديد ) .

(ج) . قال ص71 : ( إنه ليقعد على الكرسي فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ) .

(د) . قال ص67 : ( كتب الله التوراة لموسى بيده ، وهو مسند ظهره إلى الصخرة في الألواح من در ، يسمع صرير القلم ، ليس بينه وبينه إلا الحجاب ) .

(هـ) . قال ص68 : ( إن الله لم يمس بيده إلا آدم ، خلقه بيده ، والجنة ، والتوراة كتبها بيده ، ودملج الله لؤلؤة بيده فغرس فيها قضيباً فقال : امتدي حتى أرضي وأخرجي ما فيك بإذني ، فأخرجت الأنهار والثمار ) .

(و) . قال ص35 : ( رآه على كرسي من ذهب ، يحمله أربعة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد ، وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب) .

(ز) . قال ص149 : ( أبدى عن بعضه ) .

(ح) . قال ص164 : ( ويده الأخرى خلو ليس فيها شيء ) .

(ط) . قال ص 165 : ( يمس بعضه ) .

(ي). قال ص167 : ( حتى يضع بعضه على بعض .. وحتى يأخذ بقدمه ) .

(ك) . قال ص149 : ( وأوحى إلى الجبال أني نازل على جبل منك ، فتطاولت الجبال ، وتواضع طور سيناء وقال : إن قُدر لي شيءٌ فسيأتيني ، فأوحى الله أني نازل عليك لتواضعك ، ورضاك بقدري ) .

(ل) . قال ص77 : ( ينـزل الله في ظل من الغمام ، من العرش إلى الكرسي … فيتمثل الرَّب فيأتيهم ... والرَّب أمامهم حتى يمر ) .

(م) . قال ص156 : ( فأصبح ربك يطوف في الأرض ) .

(ن) . قال ص182 : ( إن لجهنم سبع قناطر ، والصراط عليهن ، والله في الرابعة منهن ، فيمر الخلائق على الله عز وجل وهو في القنطرة الرابعة ) .

(س) . قال ص48 : ( ثم يأتيهم بعد ذلك يمشي ) .

فأنت ترى ما في كتاب سعيد الدارمي الذي ذكرناه في الموضوع السابق وما في هذا الكتاب المنسوب إلى عبد الله بن الإمام أحمد وفي غيرهما من كتب أرباب هذه النحلة الخاسرة المجسمة ككتب القاضي أبي يعلى وكتب الشيخ الحراني وأذياله كابن القيم وشارح الطحاوية ... وغيرهم كثير من أمثال هذه المسائل التي نستغفر الله من كتابتها ، فضلاً من أن ندين الله بها ، والتي هي ببساطة ترديد لمعتقدات اليهود .

 

القول بقِدَم العالم والحدّ

منقول بشيء من الاختصار من كتاب (التنبيه والرَّد على معتقد قِدم العالم والحدّ) تأليف حسن بن علي السَّقاف الشافعي ص 6-14.

 

إن عقيدة الإسلام جاءت مبينة بأن الله تعالى {هو الأول} الذي تفرد وحده بالقِدم ، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري : (كان الله ولم يكن شيء غيره) وفي رواية (كان الله ولم يكن شيء معه) وفي رواية (كان الله ولم يكن شيء قبله) وجاء أيضاً في صحيح الحديث (إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ، وأمره أن يكتب كل شيء يكون) ، وأئمة الإسلام نقلوا الإجماع على أن الله تعالى كان وحده في الأزل ، ولم يكن معه شيء من المخلوقات ، بل نقلوا الإجماع على كفر من خالف هذا ، ووافقهم ابن حزم في مراتب الإجماع ص 167 ، وذكره الحافظ القاضي عياض في الشفاء وغيرهم ، وهو أمر معلوم من الدين بالضرورة ، فما موقف الحشوية من هذا؟

إن الحشوية يرون غير هذا ، فهم يرون أن العالم قديم بنوعه ، ويقصدون بذلك تسلسل الحوادث إلى غير بداية ، من غير أن يكون هنالك مخلوق قديم بعينه ، أي معيَّة المخلوقات لله في الأزل بجنسها ، دون أن يكون لابتدائها أول ، وهذا عين ما يقول به ابن تيمية الحراني إمام الحشوية الأكبر ، الذي يسمونه شيخ الإسلام ، وقد قال القاضي عياض في الشفا (2/606) : (نقطع على كفر من قال بقدم العالم أو بقائه أو شك في ذلك على مذهب الفلاسفة والدهرية).

وسننقل هنا النصوص والأقوال التي صرح فيها ابن تيمية بقدم العالم بالنوع:

  1. قال ابن تيمية في كتابه (موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول) ، المطبوع على هامش (منهاج السنة) (2/75)وكذا في درء تعارض العقل له (2/148) ما نصه: (وأما أكثر أهل الحديث(1)ومن وافقهم لا يجعلون النوع حادثاً بل قديماً ، ويفرقون بين حدوث النوع ، وحدوث الفرد من أفراده ، كما يفرق جمهور العقلاء بين دوام النوع ودوام الواحد من أعيانه).
  2. وقال في منهاج السنة (1/109)ما نصه: (فيمتنع كون شيء من العالم أزلياً ، وإن جاز أن يكون نوع الحوادث دائماً لم يزل)
  3. وقال في الموافقة (1/245) ما نصه: (قلت : هذا من نمط الذي قبله ، فإن الأزلي اللازم هو نوع الحادث لا عين الحادث)
  4. وذكر ابن تيمية في كتابه شرح حديث عمران بن حصين صحيفة 193 ما نصه : ( وإن قدِّر أن نوعها لم يزل معه فهذه المعيَّة لم ينفها شرع ولا عقل(2) بل هي من كماله)
  5. وانظر أيضاً في كتابه (نقد مراتب الإجماع) صحيفة 167 168 بعد أن أورد ابن حزم باباً بعنوان : (- باب من الإجماع في الاعتقادات يكفر من خالفه بإجماع ثم قال ابن حزم فيه : اتفقوا أن الله عز وجل وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره ، وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ، ثم خلق الأشياء كلها كما شاء ، وأن النفس مخلوقة ، والعرش مخلوق ، والعالم كله مخلوق) فقال ابن تيمية متعقباً ، ناقضاً ناقداً لهذا الكلام الذي أجمعت الأمة عليه ، وأجمعت على كفر من خالفه ما نصه: ( وأعجب من ذلك حكايته أي ابن حزم الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره معه )ا.هـ . كلامه.

وقد أجاب ابن تيمية على تعجبه هذا أربعة من فحول علماء الأمة وهم الإمام الحافظ ابن دقيق العيد والإمام الحافظ الحجة زين الدين العراقي والحافظ أمير المؤمنين في الحديث ابن حجر العسقلاني والإمام المحدث محمد زاهد الكوثري ، وقد نقل ابن حجر في فتح الباري ذلك فاجتمع قول الثلاثة الأُول في موضع واحد حيث قال (12/202): (قال شيخنا أي العراقي في شرح الترمذي : الصحيح في تكفير منكر الإجماع تقييده بإنكار ما يعلم وجوبه من الدين بالضرورة كالصلوات الخمس ، ومنهم من عبر بإنكار ما علم وجوبه بالتواتر ، ومنه القول بحدوث العالم ، وقد حكى القاضي عياض وغيره الإجماع على تكفير من يقول بقدم العالم ، وقال ابن دقيق العيد : وقع هنا من يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة (3) فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع ، وتمسك بقولنا أن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق ، حتى يثبت النقل بذلك متواتراً من صاحب الشرع ، قال : وهو تمسك ساقط أما عن عمى في البصيرة أو تعامٍ ، لأن حدوث العالم من قبيل ما اجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل) ا.هـ. ، وأما الرابع الذي أجاب ابن تيمية على تعجبه السالف الذي نقلناه فهو الإمام المحدث محمد زاهد بن حسن الكوثري حيث قال معلقاً على كلام ابن تيمية في نقد مراتب الإجماع ص 168 ما نصه : (لا عجب في القول بإجماع الأمة على كفر من أثبت خالقاً سواه تعالى بالمعنى الذي سبق ، ولا في إكفار من ينكر أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء معه ، وإنما العجب كل العجب اجتراء ابن تيمية هنا على القول بحوادث لا أول لها ، والقول بالقدم النوعي في العالم ، وبقيام الحوادث به سبحانه متعامياً عن حجة إبراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن الكريم ، ومنكراً لما يعزوه لصحيح البخاري (كان الله ولا شيء معه) مع أنه هو القائل ابن تيمية بأن ما في الصحيحين يفيد العلم ، يعني اليقين ؛ إجراء له مجرى الخبر المتواتر ، ومخالفاً للإجماع اليقيني في ذلك ، وأنى يُتصور قدم للنوع الذي لا وجود له وعدم تناهي ما يدخل بالفعل تحت الوجود لا يتصوره إلا عقل عليل !!!) ا.هـ.

هذا هو ابن تيمية ، الأب الروحي للحشوية ، والذي يقول أيضاً بالحدِّ في ذات الله تعالى أيضاً ، ويثبت له المكان ، ويثبت أن هذا المكان محدود بالعرش ، ويصرح بجلوس الرَّب عليه كما في كتابه العرش ، وكتاب الموافقة (2/29) وغيره ، وتابعه على ذلك تلميذه الوفي ابن القيم في بدائع الفوائد (4/39-40) مع أن الله سبحانه وتعالى يقول {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} ويقول سبحانه {ولم يكن له كفواً أحد} وفي صحيح مسلم يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في دعائه ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الطاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ) فالذي لاشيء فوقه ولا شيء دونه لا حدَّ له .

هذه هي العقيدة الحشوية في أبهى صورها ، و لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

 

الهامش:

  1. قوله ( أكثر أهل الحديث) افتراء منه عليهم ، لأن أهل الحديث وغيرهم من علماء المسلمين يُكَفِّرون من قال بقِدم العالم إجماعاً ، سواء بنوعه أو بأفراده.
  2. وأين ذهب قوله صلى الله عليه وسلم ( كان الله ولم يكن شيء معه) وإجماع العقلاء على ذلك؟!
  3. أي ابن تيمية المعاصر له الذي أظهر ذلك كما يقول ذلك الذهبي أيضاً ، والمنكر لهذا مكابر.

 

 

ابن القيِّم الشفيق بإبليس

 

لقد انخدع الكثير من الناس بترويج الحشوية لأرباب نحلتهم ، وإغراقهم المكتبات والمحاضرات بأسماء ينفخونها بنفسهم الخبيث ، كمن يدعُونهما زوراً شيخ الإسلام وتلميذه شمس الدين! ، فيذكرون أقوالهما ويستشهدون بها أكثر من استشهادهم بكتاب الله وسنة رسوله ، وكأن هؤلاء حجة الله على خلقه بين العالمين ، ونحن اليوم بصدد تعريف الناس بهذا الملقب بشمس الدين.

هو محمد بن أبي بكر الزرعي ، المعروف بابن قيم الجوزية ، ولد - على رواية ابن رجب - سنة 691 هـ ومات سنة 751 هـ ، وبين ذلك لازم أستاذه ابن تيمية في درسه وفي سجنه بعد أن حكم علماء المسلمين بزيغهما ، ويروي أتباعه بأن هذه الصحبة لم تستمر بعد مماتهما في الآخرة بنفس المنزلة فيروون أنه (رأى قبل موته شيخه تقي الدين - أي ابن تيمية - في النوم ، وسأله عن منزلته فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر (لم تحددهم الرواية) ، ثمَّ قال له وأنت كدت تلحق بنا ، ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة!.)! (1)

ونحن لن نعلِّق على هذه الرواية ، ولكن سنذكر شيئاً من علم ابن القيم الذي ينادي به من غير خجل ليرى الناس لماذا حكم عليه علماء المسلمين بالزيغ ، فأودع السجن في دمشق مع أستاذه.

ابن القيم له كتاب يدعى (الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطِّلة) نادى فيه بأن الحكمة تقتضي أن لا يعذِّب الله أحدا عذاباً أبدياً في النار فهذا يتنافى مع رحمة الله على حدِّ زعمه ، وبناء على ذلك فإنه يرى أن كلَّ من في النار سيخرج منها إلى الجنة ، وستفنى النار بعد ذلك ، وبهذا سيكون إبليس اللعين وأبو جهل وأبي ابن خلف وفرعون وهامان وقارون مع الأنبياء والصديقين والشهداء.

فهو يُمَهِدُّ لمراده هذا بقوله (كم من بلاءٍ جلب عافية ، وكم من ذلٍ جلب عزَّا ،وكسرٍ جلب جبراً ، إذا اعتبرت أكثر الخيرات والمسرات واللذات وجدتها إنما ترتَّبت على الآلام والمشاق ، وأعظم اللَّذة وأجلها ما كان سببه أعظمه ألماً ومشقة)(2) ، ولو كان كلامه هذا في تحمل المشاقِّ في الدنيا بالجهاد في سبيل الله ، فما كان أعظمَه وأجملَه ، ولكن المؤسف أنه يعني عذاب أهل النار ، ففي حسابه أن أعظمهم مشقة هو أعظمهم نعيما ، فإبليس اللعين صاحب المشقة العظيمة في النار سيكون صاحب أعظم نعيم في الجنة!.

ويستمر في مثل الكلام تمهيداً لما يريده ، حتى يبدأ في البحث عن الحجج لإخراج المشركين من النار فيحتج بأن في قلوبهم أكثر من مثقال الذرة من الإيمان فهم (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولون الله ) والحديث يقول (أخرجوا من النار من كان في قلبه من الخير ما يزن ذرة أو برة)(3)

، وبناء عليه فهم سيخرجون من النار إلى الجنة !، فهو يقول بعد ذلك (فإن النار إنما سعَّرها الشرك والظلم فلا يمتنع في الرحمة والحكمة والعدل! أن يطفئها ويذهبها بعد أن أخذ الحق منهم)(4) ، وسبحان الله أي عدل هذا الذي يجمع بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن خلف في جنة الفردوس ! ، ويقول (إنما سعرت بغضب الجبار تبارك وتعالى ، فإذا زال السبب الذي سعرها ، فكيف لا تطفأ ؛ وقد طفئ غضب الرب وزال!)(5) ويستمر في هذا السبيل مماحكاً ، والعجب أنه يستدل بآيات من القران وهي فاضحةٌ لمقصده بيِّنة الدلالة بالخلود ؛ ليُثبت بها فناء نار جهنم ؛ وكأنه مشفق على إبليس وحزبه ، فينقلهم من النار إلى رحمة الله .

وهذا كلام من السخافة بحيث ترى أن لا مدعاة للردِّ عليه ، ويكفي أن لا يوجد نصٌ يدلُ عليه إلا التأويل الأعوج - والغريب أن ابن القيم هذا يصرح بحربه للتأويل في كتابه المذكور (6) - بينما آي القرآن مصرحة بالخلود في النعيم والعذاب ومنها قوله سبحانه وتعالى:: }ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا } وقد حكم سبحانه وتعالى حكماً جازماً على الكافرين في قوله{إنَّ الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا لِيَهديهم طريقا * إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداْ وكان ذلك على الله يسيرا} ، ويقول سبحانه {ولهم عذاب مقيم} ، { و لا يجدون عنها محيصاً} ، { ليس مصروفاً عنهم} ، {ثمَّ لا يموت فيها ولا يحيا} ، { وما هم بخارجين من النار} ، {وماهم عنها بغائبين} وغيرها الكثير من الآيات المصرحة بالخلود الأبدي في النار وأن لا طريق للكافرين غيرها فأين المفر من صريح القرآن ، وأحاديث الرسول الكريم واضحة الدلالة بالخلود في النار كذلك ، ومنها قولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ فَيُقَالُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ ثُمَّ يُقَالُ يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ فَيُقَالُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ قَالَ فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا (7) ، وكذلك قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَسَا سُمًّا فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا (8) ، فقوله صلى الله عليه وسلم (خلود فيما تجدون لا موت فيها أبدا ) و ( فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) في غير ما حاجة إلى شرح أو تأويل ، والمسلم العاقل الذي يقرأ كتاب الله لا يحتاج إلى دليلٍ لمعرفة الحقِّ في ذلك ، ولكن العجب أن نجد من يروِّج لهذا الفكر السقيم ، ونخصُّ بالذكر الوهابية الذين أحيوا فكر ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وما ذلك إلا لحبِّ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعه - عالماً بطريقته أو مغرراً به - لتشويه دين الله وبلبلة عقول المسلمين ، كما خطط لذلك أساتذة محمد بن عبد الوهاب النصارى الذين لم يكتفوا بتلقينه أصول اللعبة في العراق بل رافقوه حتى بعد عودته إلى نجد حيث الزلازل والفتن كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم (9) ، ليتأكدوا من سيره على المنهج الذين رسموه له كأمثال (هامفر) ، والذين خلفوه من بعد كالمدعو (الكابتن شكسبير) الذي قتل أثناء حرب الوهابية لابن رشيد وقومه ، ومن بعده (جون فيلبي) الذي يسميه الوهابية (الشيخ عبدالله فيلبي!) الذي خطب بهم خطبة فتحهم لمكة المكرمة وأذَّن وصلى بهم ! كما أوضحنا ذلك مع ذكر مصادره التاريخية عند حديثنا عن هجومهم على مكة المكرمة خلَّصها الله من أيديهم اللئيمة.

 

 

 

لماذا انخدع الكثير من الناس بكلام ابن القيم؟

 

انخدع الكثير من الناس بفكر ا بن القيِّم لسببين رئيسين:

 

أولهما : الدعاية المغرِّضة التي ينشرها عبدة فكره بين الناس (الحشوية) ، فهم ينفقون أموالهم في سبيل ذلك ليل نهار ، يتمثل ذلك في نشر كتبه ودراسة شخصه وآثاره في جامعات الوهابية بما يشبه التقديس ، والكتابة عنه في المجلات والمنشورات ، وحشر اسمه في كلِّ شيء فلا تكاد تمرُّ معهم خطبة أو درس أو محاضرة إلا واسم ابن القيم وأستاذه ابن تيمية واسطة عقدها ، وهذا سبب تشويشاً كبيراً في أذهان الناشئة وأنصاف المتعلمين حتى كبُرا في أعينهم ، فهما يُذكران قبل الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام وبعده ، حتى أخذ العامة أقوالهما كمسلَّمات ، ولو علموا حقيقتهما لفروا منهما فرار السليم من الأجرب.

 

ثانياً: ابن القيم كاتب يزوِّر كلامه ويُنَمِّقُه ، فلسفيٌّ في منطِقه ، خبيثٌ في مقاصِدِه ، يلبس الحقَّ بالباطل ، فتراه يُمهِّدُّ لمقصده تمهيداً طويلاً ، وله دهاءٌ عظيم في ليِّ أعناق الآيات والأحاديث النبوية حتى إنه لَيستعين بالأحاديث الموضوعة ، كي يوصل مراده إلى أذهان الناس من غير مفاجئة ، وإن كان ما يريده داهية من الدواهي وطامة من الطامَّات ، ولا يتردد في أن يعمد إلى الآيات والأحاديث التي تخالف مقصوده فيدخلها كشواهد له ، حتى إذا مرَّ عليها القارئ غير البصير ظنَّ أنَّ الشيخ قد سوَّر بناءه بسور متين ، فلم تبق آية إلا وقد استشهد بها ، وهو أسلوب خبيث يدلُّ على مكرٍ عظيم ، واقتداءٍ بأستاذ الشياطين ،إبليس اللعين.

 

و لايفوتنا هنا أن ننوه بأن بعض الوهابية اليوم اقتنعوا بعدم فناء النار ، ولكنهم يرون أن اجتهاد ابن القيم وأستاذه ابن تيمية في بعض الروايات عنه اجتهادٌ يؤجرون عليه ، مع أنه اجتهاد مخالف للنص الصريح ، فلماذا يؤجر هؤلاء ويُؤزر غيرهم الذين لا يخالف اجتهادهم النص؟!

 

ختاماً يجب أن نذكر بإكبار علماء أهل السنّة الفضلاء الذين ردُّوا على ابن تيمية وتلميذه هذا ردوداً مطوَّلة ، ونخص منهم علماء الحنابلة - لأن هذين يدعيان أنهما منهم - الذين جزموا بخروج هذين من الملة الإسلامية لآرائهما المتطرفة ، وقد ذكرنا ستين عالماً من أهل السنة ممن ردوا على ابن تيمية في مقال سابق.

سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

 

الهامش:

  1. محمد الموصلي ، مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم الجوزية ص 6
  2. نفس المصدر ص 220
  3. ملخص من نفس المصدر ص 221
  4. نفس المصدر ص221
  5. نفس المصدر ص223
  6. راجع نفس المصدر ص 34 فصل ( التأويل شر من التعطيل)
  7. هذه رواية ابن ماجة ، ومن رواة هذا الحديث البخاري والترمذي وأحمد والدارمي بألفاظ متقاربة ومتماثلة.
  8. هذه رواية أبي داود ، والحديث هذا رواه أيضا البخاري والترمذي والنسائي والدارمي بتوسع ، واخترنا هذه الرواية لاختصارها.
  9. نص الحديث عند البخاري ( قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا قَالَ قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا قَالَ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا وَفِي يَمَنِنَا قَالَ قَالُوا وَفِي نَجْدِنَا قَالَ قَالَ هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالْفِتَنُ وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ) ومن رواة هذا الحديث الترمذي وأحمد.

 

الوهابية والصليب

الشيخ ابن باز أجاب في شريط مسجل عن لبس الصليب وتعليقه هل يصل إلى الكفر ؟ فأجاب بقوله (لا هذه أمور عادية ، ينظر فيها أولي الأمر بما تقتضيه المصلحة ، إذا كان من المصلحة الإسلامية قبول هذه المجاملة أو هذه الهدية كان جائزاً الخ) ولما أنكر إليه بعض الحضور وقالوا : (صليب يا شيخ!!) قال (ولو كان صليباً) . راجع د.محمد بن عبدالله المسعري ، الأدلة القطعية على عدم شرعية الدولة السعودية ، ص 167، مؤسسة الرافد للنشر والتوزيع.

وهكذا أخي المسلم ترى وبكل وضوح كيف يتوارث علماء الوهابية مخطط القضاء على الإسلام بحجة حمايته ، فاليهود والنصارى الذين أمرنا الله ورسوله بمخالفتهم وعدم موالاتهم يرى كبير شياطين الوهابية أن لبس صلبانهم والتزلّف إليهم فيه مصلحة الإسلام ، بينما في المقابل يرى وجوب قتل العراقيين وإن كانوا في الصلاة ، كما يفتي بأن قتل المسلمين الإباضية قربة إلى الله.!

وهكذا ترى بأمِّ عينك أيها المسلم تنفيذ هؤلاء لمخطط أساتذة محمد بن عبد الوهاب من المستشرقين أعداء الإسلام من أمثال المستر هامفر وكذلك الذين واصلوا المشوار بعد ذلك لقيادة الوهابية وتوجيه هؤلاء الأعراب مثل جون فيلبي ( يسميه الوهابية الشيخ فيلبي وقد دخل المسجد الحرام بعد اقتحام الوهابية مكة المكرمة وخطب في المسلمين!!) (1) !

 

الهامش:

  1. اقرأ تاريخ الشيخ أحمد زيني دحلان مفتي مكة المكرمة أواخر حكم السلطنة العثمانية ، خصوصا فصل ( فتنة الوهابية) لتطلع على شيء من فظائع الوهابية.
  2. وانظر كذلك السيد أبو العلى التقوي ، الفرقة الوهابية في خدمة من ؟ الإرشاد للطباعة والنشر ، بيروت /لندن ، ص 116 .

 

أحرامٌ على بلابله الدَّوح ..؟

يرى الوهابية التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم شركاً ، وهذا أحد أسباب استحلالهم دماء المسلمين .

في المقابل يحتج الكثير من المسلمين بجواز التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بما فعله بلال بن رباح رضي الله عنه بعدما عاد من الشام في خلافة عمر رضي الله عنه ، فقصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يبكي عنده ويمرِّغ وجهه عليه ، أورده ابن الأثير في أسد الغابة ج1 ص 28 ،وكذلك ما فعلته فاطمة الزهراء ، حيث أخذت قبضة من تراب قبر أبيها عليه الصلاة والسلام ، وأخذت تشمها وتبكي وتقول :

ماذا على من شمَّ تربة أحمدٍ            أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا

وما فعله أبو أيوب الأنصاري من وضع وجهه على القبر الشريف ، وقد أورده الحاكم في مستدركه على الصحيحين ج 4 ص 515 ، وقد وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر ثم وضعها على جبهته ، وقد جاء ذلك في شرح الشفاء للقاضي عياض .

ومن عجائب ضلال الوهابية التالي:

أولاً: أن الأب الروحي الأول لهؤلاء هو ابن تيمية ، الذي اشتهر التبرك به فقد جاء في العقود الدريَّة للحافظ ابن عبد الهادي ص 369-371 أنه قد ( حضر جمعٌ إلى القلعة (عند وفاة ابن تيمية) فأذن لهم بالدخول ، وجلس جماعة قبل الغسل ، وقرأوا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثمَّ انصرفوا.

وحضر جماعة من النساء ففعلن ذلك ثمَّ انصرفن ، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك ، وشرب جماعة الماء الذي فضل عن غسله واقتسم جماعة السدر الذي غسل به .

وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهم ، وقيل إن الخيط الذي فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل ، دفع فيه مئة وخمسون درهما.

ويضيف : وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلاً ونهاراً )

فهل يستثنى ابن تيمية في نظر أتباعه الجدد أم أنهم يتهمون أتباعه القدامى بالشرك؟!

ثانياً: الأب الروحي الحديث لهؤلاء الحشوية هو محمد بن عبد الوهاب ، والكثير من الناس يظن غافلاً أن هؤلاء القوم بتشريكهم للمسلمين إذا ما رأوهم يزورون قبراً ستكون قبورهم دارسةً ليس عليها بناءٌ ولا علامات اتباعاً للهدي النبوي ، ولكن ماذا لو كان قبر محمد بن عبد الوهاب مزاراً رسمياً للوهابية ؟

نعم إن قبر محمد بن عبد الوهاب عليه بناء شامخ وقد جُصِصَ بالرخام ، وفي داخل المعبد نقشت البيعة التي تمت بينه وبين محمد بن سعود للتبرك والتمسح .

فانظروا أيها الناس إنَّ الوهابية يحاربون الناس لزيارتهم لقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويرون وجود قبره الشريف داخل المسجد النبوي خطيئة من الخطايا !! وهم في المقابل يتخذون أصنامهم كمحمد بن عبد الوهاب آلهة تعبد من دون الله ، ونحن نقول كما قال الشاعر:

أحرامٌ على بلابله الدَّوح      حلالٌ على الطير من كلِّ جنسِ

 

من ضلالات الحشوية

الوهابية أفراخ الحشوية أصحاب فقه أعرابي عقيم في الدين وغيره ، وذلك لضيق أفقهم وقلة معرفتهم ، فالجهاد لديهم قتل المسلمين وسبهم بحجة أنهم أهل شرك وبدعة ، والعقيدة عندهم تنحصر في عبادة القبور وأنها شرك ، وأن الله موجود في السماء ، وبناء عليه فمن قال بدوران الأرض فهو ضال مضل يريد تخريب العقيدة السلفية ! ، ولولا أن هؤلاء ينمقون كلامهم بشيء من القرآن لما اكترثنا بالرد عليهم ، ولكن لنبعد كتاب الله سبحانه وتعالى عن تأويلات المبطلين فإننا نورد ههنا جواباً مقتضباً واضح الحجة ناصع البرهان لسماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي لسؤال هذا نصه:

س .ما قولكم فيمن احتج بقوله تعالى {بل رفعه الله إليه} كدليل على أن الله موجود في السماء؟

 

ج. ليس قوله هذا من الصحة في شيء فإن إبراهيم عليه السلام حكى الله عنه قوله {إني مهاجرٌ إلى ربي} مع أنه هاجر إلى بلاد الشام ، فهل معنى ذلك أن الله كان ببلاد الشام مستقراً ؟ وكذلك جاء في الحديث الصحيح {إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق أمام وجهه فإن الله بينه وبين قبلته } وهل معنى ذلك أن الله مستقر بين يدي كل مصلٍّ ؟ كلا وإنما كلام العرب فيه الحقيقة والمجاز ، وقد أنزل الله بهما القرآن ووردت بهما السنة ، فقوله تعالى {بل رفعه الله إليه} يدل على التقريب والتكريم ، وهذا كما يقال في الذي يموت من الصالحين نَقَلَه الله إليه ، والله أعلم.