حقوق طبع هذا الكتاب حقٌ مشاع لكل مسلم شريطة ألا يُحرِّف فيه أو يبدِّل

الإهداء

إلى كل مخلص وجهه لله ، باحث عن الحقيقة ، وأخص أولئك الأبرياء الذين عاشوا في غياهب التَّعمية الوهابية للحقيقة ، أو الذين انخدعوا بالأبواق الوهابية الزامرة ليل نهار على سبل الضلال ، نُهدي هذا الكتاب عسى الله أن يهديهم به إلى سواء السبيل ، إنَّه وليُّ ذلك والقادر عليه.

 

 

المحتــــــــــــــوى

مقدمة…………………………………………………… 9-10

 

الفصل الأول: ……………………………………………… 11 - 30

تعريف الوهابية

 

الفصل الثاني: …………………………………………… 31- 46

نماذج من فكر القيادة الوهابية

 

الفصل الثالث:

العقيدة الحشوية ……………………………………… 47 - 66

 

الفصل الرابع: ……………………………………………67 -80

علماء أهل السنة يجابهون الحشوية

 

الفصل الخامس: …………………………………………… 81 -96

الفقه الوهابي

 

الفصل السادس: …………………………………………….93-108

الولاء الوهابي لمن؟!

 

الفصل السابع: …………………………………………… 109 -134

التاريخ الوهابي

 

الفصل الثامن : ………………………………………… 135 -144

الوهابية الخوارج

الفصل التاسع: ………………………….……… 145 -152

الختــــــام

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة

الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على المصطفى أما بعد

فلا تزال الحركات الخارجة عن الدين ، تتوالى في الخروج على الملة الحنيفية السمحة من لدن ذي الخويصرة إلى مسيلمة الكذاب إلى نجدة ابن عامر الحنفي وقومه أهل اليمامة إلى أن طلع علينا في هذا العصر قرن الشيطان في بلاد نجد حيث الزلازل والفتن فخرجت الوهابية ، التي عاثت في الأرض فسادا ولا تزال ، معتبرة أهل ملة التوحيد أهل شرك فاستباحت دماءهم وأموالهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله .

ورغبة منا في فضح هذه الحركة الخارجة على الإسلام ، الناقمة على أهله ، الخادمة لليهود والنصارى ، فإننا ننشر هذا المؤلف ، وهي مجموعة مقالات نشر أغلبها على الشبكة العالمية للمعلومات (إنترنت) خلال مواجهتنا لأفراخ هذه النحلة الخاسرة ؛ بعد أن اعتدوا على المسلمين تكفيراً ، ودعوا إلى استئصالهم ، ونحن سندع الأمر للقاريء المنصف نفسه ليحدد من الذي يجب استئصاله .

ونحن إذ نشكر الله على تكميم أفواههم وإلجامهم خلال حوارنا الساخن معهم ، حتى اضطروا إلى إغلاق موقعهم عن بلادنا فإننا نرى لزاماً علينا اليوم تحذير الأمة من شرهم .

والحق أقول أنني حاولت إنهاء الكتابة في هذا الموضوع سريعا لكثرة أشغالي ، ولكنَّ الحقائق كانت تتفجر من كل حدب وصوب متسابقة لتأخذ مكانها على صفحات هذا الكتاب ، مما كان يشغلني حتى لا يلفتني إلا أذان الفجر يقرع أذنيَّ في بعض الأحيان .

وها أنذا عقدت العزم على التوقف ولو إلى حين ، للمسارعة في نشر هذا الكتاب ، وأعد بالمواصلة في تجميع الحقائق الناصعة عن هذه الفِرقة ، الداعية إلى الفُرقة ، ما وجدت إلى ذلك سانحة ، وسيظهر ذلك تباعاً إن شاء الله ، وأول الغيث قطراتٌ وينهمرُ.

ولا يفوتني ههنا أن أنبِّه على أنَّ نقدنا هذا لا يعني أيَّ مسلم في بلاد الحرمين الشريفين متمسكٍ بأهداب دينه ، يأخذ الحق من أي مصدر وجده من غير تعصب ، وإنما يعني تماماً أولئك الذين يقدِّسون الفكر الوهابي المنحرف ، ويرون ما سواه باطلا في أي بقعة كانوا.

 

                                             المؤلف

 

الفصل الأول

تعريف الوهابية

 

 

تدعي الفرقة الحشوية الكمال ، وهي بحق أكمل ما تكون ضلالاً ، وإليك تعريفها وأربابها

 

تعريف الوهابية

فرقة خرجت على حين ضعفٍ وفرقةٍ بين المسلمين ، خرجت في آخر الزمان ، تركت قتال أهل الأوثان ، وقاتلت أهل الإسلام ، واعتبرتهم مشركين ، مالم يكونوا وهابية ويهاجروا إلى دار هجرتهم نجد ، وذلك في بداية دعوتهم كما أثبت ذلك الشيخ سليمان بن عبدالوهاب النجدي في معرض رده على أخيه محمد في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) ، نجد تلك التي قال عنها الرسول الكريم (هناك الزلازل والفتن ومنها يخرج قرن الشيطان) وأبى أن يدعو لها بخير كما دعا لغيرها(1).

 

ولم ينقم الوهابية على المسلمين أموراً أساسية ، بل هم جادلوا في مسائل ثانوية ، وكفَّروا المسلمين على أساسها ، ويدَّعون السلفية خلال تقليدهم لابن تيمية وأذياله ؛ والفهم لظاهر القرآن والسنَّة مع المحاربة لإعمال العقل في فهم النص أو التأويل ، إلا أنَّ أفكارهم سرعان ما انكشف تهافتها ووهنها ، وعلماؤهم لا يستطيعون الوقوف أمام حجج المسلمين وبراهينهم ، فهم إن تحدَّثوا فكثيراً ما تسمع عيَّهم كمتحدثين ، وضعفهم في لغة القرآن الكريم ، ويهربون من كلِّ مناظرة علمية تهدف إلى تبيين الحق لأنهم يعلمون أن لا قِبَل لهم بذلك.

 

الشهادة بجهل الوهابية:

إن الجهل والسطحية لدى علماء الوهابية ، قد شهد بها الكثير ممن احتكوا بهذه الفرقة ، فقد روى الشيخ إبراهيم المنصوري(2)أن ابن عبدالوهاب (كان يمنع أتباعه من مطالعة كتب الفقه والتفسير والحديث ، وقد أحرق كثيراً منها وأذن لكل من اتبعه أن يفسر القرآن الشريف بحسب فهمه فكل واحد منهم يفعل ذلك حتى ولو كان لا يحفظ من القرآن شيئاً) وهذا ليس بغريب على زعيم الوهابية ، فمن يقرأ تاريخه الحقيقي غير المزوَّر يدري بأنه جاء بعد تدريب مكثَّف بالعراق على أيدي المستشرقين الإنجليز لهدم الإسلام ، بل كانت الخطة - كما ذكر ذلك المستر هامفر أستاذ محمد بن عبدالوهاب في مذكراته - هدم الكعبة وإضافة المنسوخ من القرآن ، ولكنه اعتذر لأسياده عن فعل ذلك بحجة أن الدولة العثمانية سترسل إليه جيشاً جراراً يقضي على حركته إن فعل ذلك ، ولكنَّ أتباعه في ما بعد استطاعوا تشويه الكعبة المشرفة ، فجعلوا إطاراً فضياً على الحجر الأسود ليكون في صورة قُبُلِ امرأة أخزاهم الله ، وحرر بيته العتيق من أيديهم الخبيثة.

وذكر الشيخ محمد سليم الكيلاني(3)أن أحد المفتين الوهابيين ويدعى عبدالله بن خلف حضر إلى دمشق ، وطلب منه أن يعطيه كتابا في علم النحو ، وشيئا من فن الصرف ، فأمره أن يحضر مع صغار الطلبة الذين يدرسون كتاب (قطر الندى) وكتاب(النبأ في الصرف) ، وكذلك فعل القاضي الشيخ عبدالله مرعي ، ويعلق الشيخ الكيلاني على مستواهم هذا بقوله (فإذا كان هذا مبلغ علم قاضيهم ومفتيهم فما بالك في بقية علمائهم) ، ويضيف ( إني اجتمعت بكثير من علمائهم فوجدتهم من الجهل بمكان ، ومن العلم بمعزل).

ولا تعجب أخي القاريء ، فقدوتهم محمد بن عبدالوهاب كان جاهلا مغرورا ، وقد ذكر جهله أخوه سليمان بن عبدالوهاب في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) ونسب إليه القصور العلمي وذلك في قوله(4)(ابتلي الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه . وإذا طلبت منه أن تعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه ومن خالفه فهو عنده كافر. هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال الاجتهاد ، ولا والله ولا عُشر واحدة ، ومع ذلك راج كلامه على كثير من الجهال).

ونحن ندعو من يشك في أمر جهل الوهابيين - إن كان يقول أن هؤلاء الذين يكتبون في الإنترنت هم جهال الوهابية - ندعوه ليس فقط إلى تأمل أفكارهم ، وما تنم عنه من معارف جزئية وسطحية ، كقولهم بعدم دوران الأرض ، بل إلى مطالعة أساليبهم الكتابية الركيكة الواضحة في كتبهم ورسائلهم وفتاويهم ، وأن يسمع كبار علمائهم عندما يتحدثون.

على أنه لم يستطع حتى من دافع عن الوهابيين إلا أن يعترف بجهلهم ، فهم يقولون أن الجهل كان سائداً في مناطق نجد بشكل عام . فقد جاء في شرح محمد حامد الفقي(5) لأسباب نجاح الوهابية في حين فشل ابن تيمية وابن القيم الجوزية ، قوله (على نهج شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم سلك شيخ الإسلام(6) محمد بن عبدالوهاب ، ولكنه كان قد هُيأ له من الظروف مالم يتهيأ للشيخين . فبلاد نجد البدوية (حيث انطلقت دعوة ابن عبدالوهاب) غير مصر والشام (حيث نشط ابن تيمية ثم تلميذه ابن القيم) التي كانت تعج بالملوك والأمراء والجيوش والقواد والمدارس والحضارات وتكايا المتصوفة المختلفة ، والقضاة والعلماء والمدرسين في جميع المذاهب) فهذا اعتراف منهم بجهلهم ، وبجهل من انطوت عليهم أفكارهم الفاسدة ، فأكثر أتباع الوهابية اليوم هم من الذين أغلقت أمام أعينهم وسائل معرفة الحقيقة ، فلا تدخل كتب المسلمين إلى ديارهم إلا إذا لمستها يد التحريف لتتناسب ومنظور التضليل الوهابي.

 

الهامش:

  1. الحديث رواه البخاري والترمذي وأحمد.(ذكرنا نص الحديث في أكثر من موضع بهذا الكتاب )
  2. الشيخ المنصوري ، التاج الجامع للأصول ، ص 52.
  3. الكيلاني ، النفحة الزكية ، الرسالة الأولى ص7
  4. سليمان بن عبدالوهاب ، الصواعق الإلهية ص 25
  5. الفقي ، أثر الدعوة الوهابية ، طبع 1354 هـ ، ص 22
  6. نحن لا نؤمن بأن للإسلام شيخاً يحويه ، فالإسلام العظيم أوسع من أن يحويه شخص واحد ، ولو كان أحد يحمل ذلك اللقب لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

التعريف بابن تيمية(1)

هو أحمد بن عبد الحليم بن تيمية حفيد الفقيه المجد بن تيمية الحنبلي المشهور، ولد بحران ببيت علم من الحنابلة سنة 661 هـ، وقد أتى والده الشيخ عبد الحليم مع ذويه من هناك إلى الشام خوفاً من المغول سنة 667هـ .

تميَّز ابن تيمية بذكاء وقّاد وقدرة على جمع العلم والاستيعاب حتى نال ثناء الكثير من العلماء في أول أمره ، قال الحافظ ابن حجر (2)في ترجمة ابن تيمية (كان يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث فيورد في ساعة من الكتاب والسنَّة واللغة والنظر مالا يقدر أحد أن يورده في عدة مجالس ، كأن هذه العلوم بين عينيه ، فيأخذ منها ما يشاء ويذر ، ومن ثمَّ نسب أصحابه إلى الغلو فيه ، واقتضى له ذلك العُجب بنفسه ، حتى زها على أبناء جنسه ، واستشعر أنه مجتهد فصار يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قويهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر (رضي الله عنه) فخطأه في شيء وقال في حقِّ علي أخطأ في سبعة عشر شيئاً خالف فيها نص الكتاب)

 

وقد تخلى عنه معاصروه كالتاج الفزاري المعروف بالفركاح وابنه البرهان والجلال القزويني والكمال الزملكاني ومحمد بن الحريري الأنصاري والعلاء القونوي وغيرهم بعد أن بدأ في إذاعة فتنه ولم يأبه بالنصح .

 

قال عنه المحدِّث الحافظ الفقيه ولِيُّ الدِّين العراقي في كتابه (الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية ) : (علمه أكبر من عقله) وقال أيضاً ( إنه خرق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها).أ.هـ ، وتبعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ، فأسرع علماء عصره في الرد عليه وتبديعه ، منهم الإمام الحافظ تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ، قال في الدرَّة المضيئة ما نصه : ( أما بعد فإنه بعد ما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أمور العقائد ، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة ، مظهراً أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة ، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع ، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ، وقال بما يقتضي الجسمية في الذات المقدَّس ، وأن الافتقار إلى الجزء - أي افتقار الله إلى الجزء تعالى الله - ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى ) واستمر في تعديد مخالفات ابن تيمية كالقول بقدم العالم ، وقد أورد كثيراً منها أيضاً الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي نقل ذلك المحدِّث الحافظ المؤرخ شمس الدِّين بن طولون(3) ، ونقتطف منها ما يلي :

(ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الفروع والأصول :

فمنها ما خالف فيه الإجماع ، ومنها ما خالف فيه الراجح من المذاهب ، فمن ذلك يمين الطلاق ، قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه كفارة يمين ، ولم يقل بالكفارة أحد من المسلمين البتة ، وأن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته وأن الحائض تطوف بالبيت من غير كفارة وهو مباح لها وصرّح في بعض مؤلفاته بأن الله تعالى بقدر العرش لا أكبر منه ولا أصغر ، وصنَّف جزءاً في أنَّ علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنة ، وأنه لا يحيط بالمتناهي ، ومنها أن الأنبياء غير معصومين وأن عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد ومن أفْراده أيضاً أنَّ التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلها ، وله فيه مصنَّف ، هذا آخر ما رأيت ، وأستغفر الله عن كتابته فضلاً عن اعتقاده ) أ.هـ.

وله حادثة شهيرة في صحن المسجد الأموي ضربه الناس فيها بالنعال حيث يروي أبو الحسن علي الدمشقي عن أبيه قال : ( كنا جلوساً في مجلس ابن تيمية فذكر ووعظ ، وتعرض لآيات الاستواء ثمَّ قال : (( واستوى الله على عرشه كاستوائي هذا)) قال فوثب الناس عليه وثبة واحد وأنزلوه من الكرسي ، وبادروا إليه ضرباً باللكم والنعال الخ)

وكان الذهبي من معاصريه ممن أعجب بذكائه وعلمه فمدحه في أول الأمر ثمَّ لما تبين له حاله وتحكم الكِبر والغرور به قال عنه في رسالته (بيان زغل العلم والطلب) ما نصه : ( ما وجدت أخَّره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذَّبوه وكفَّروه إلا الكِبر والعُجب وفرط الغرام في رئاسة المشيخة والازدراء بالكبار ، فانظر كيف وبال الدعاوى وحبة الظهور ، نسأل الله المسامحة )

 

وقد كان ابن تيمية وأتباعه لا يترددون في رمي المسلمين بالشرك الأكبر لأتفه الأسباب(4)

وقد استتيب مرات ، وهو ينقض مواثيقه وعهوده في كل مرة ، ومنع من الفتوى ؛ وعُزِّر وحُبس مراراً ، وكان حبسه الأخير بفتوى من القضاة الأربعة(5) الذين أحدهم شافعي والآخر مالكي والآخر حنفي والآخر حنبلي ، وحكموا عليه بأنه ضال يجب التحذير منه كما قال ابن شاكر الكتبي في عيون التواريخ ، وهو من تلامذة ابن تيمية ، وأصدروا عليه حكماً سُمي مرسوم الملك ابن قلاوون يقضي بسجن ابن تيمية بعد أن خاض في مسائل الذات والصفات وأظهر البدع ، وبمنعه من التصرف والظهور ، وبمنع من أصر على أتباعه من القضاء والولاية ؛ وننقل ههنا مقدمة المرسوم :

(بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل فقال عزَّ وجل {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} أحمده على أن ألهمنا العمل بالسنَّة والكتاب ، ورفع في أيامنا أسباب الشك والارتياب ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير ، وينزِّه خالقه عن التحيُّز في جهة لقوله تعالى {وهو معكم أينما كنتم}وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته ، وأمر بالتفكر في آلاء الله ونهى عن التفكر في ذاته ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع ، وشيّد الله بهم من قواعد الدِّين الحنيف ما شرع ، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع .

وبعد فإن العقائد الشرعية ، وقواعد الإسلام المرعية ، وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية ، هي الأساس الذي يبنى عليه ، والموئل الذي يرجع كل أحد إليه ، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزاً عظيما ، ومن حاد عنها فقد استوجب عذاباً أليما ، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها ويؤكد دوامها ، وتصان عقائد الملة عن الاختلاف ، وتزان قواعد الأئمة بالائتلاف ، ويفرَّق من فِرَقِها ما اجتمع.

وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ، ومدَّ بجهله عنان كلمه ، وتحدَّث في مسائل الذات والصفات ، ونصَّ في كلامه الفاسد على أمور منكرات ، وتكلَّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون ، وفاه فيما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون ، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام ، وشهر من فتاويه في البلاد ما استخفَّ به عقول العوامّ ، وخالف في ذلك فقهاء عصره ، وعلماء شامه ومصره ، وبعث برسائله إلى كل مكان ، وسمّى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان الخ المرسوم)(6)

 

وقد مات ابن تيمية في حبسه ، بسجن القلعة في دمشق ليلة 22 من ذي القعدة سنة 728هـ.

 

ونحن نتساءل بعد هذا عن سرِّ هذا التقديس الذي يهيله الوهابية اليوم لابن تيمية ، ما سرُّه والرجل هذا حاله وهذا حكم معاصريه من علماء الإسلام عليه ؟ بل وأي مشيخة كاذبة تلك التي يوصف بها فيقال شيخ الإسلام !، إن ذلك بحق تزوير للحقيقة وتشويه للإسلام ليس إلا ، وكأن الإسلام كتب عليه أن يعيش ناقصاً قرابة السبعة قرون حتى يظهر له شيخه ، سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(7)

 

 

الهامش:

  1. منقول بتصرف من كتاب المقالات السُّنِّية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية ، للشيخ عبدالله الحبشي ص 10 - 38 ، ط3 ، 1417هـ ، دار المشاريع ، بيروت.
  2. ابن حجر ، الدرر الكامنة ( 1/144).
  3. ابن طولون ، ذخائر القصر ( ص69 مخطوط).
  4. للإطلاع على شيء من ذلك يراجع كتاب ( دفع شُبَه من شبّه وتمرّد) لتقي الدين الحصني ص 41
  5. لمعرفة أسمائهم راجع مقال ( ذكر بعض العلماء والفقهاء والقضاة من أهل السنة الذين ناظروا ابن تيمية أو ردّوا عليه) بهذا الكتاب.
  6. المرسوم بأكمله مذكور بالمرجع الأول ص 33-36.
  7. ومع هذا كله فإننا لا نتعصب ضد العلماء تعصب الوهابية فنمنع كتبهم ، فابن تيمية عالم ألف الكثير من الكتب يمكن استفادة الكثير من العلم منها ، ولكن مع التنبه لمزالقه الكبيرة ، وتنبيه الناس إليها.

 

 

محمد بن عبدالوهاب

 

ينسب مذهب الوهابية إلى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي .

قال عنه الشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المكرمة أواخر السلطنة العثمانية (ولد محمد بن عبد الوهاب سنة 1111 وتوفي سنة 1207هـ فيكون عمره ستاً وتسعين سنة وأخذ في أول أمره عن كثير من علماء مكة والمدينة وكانوا يتفرسون فيه الضلال والإضلال وكان والده عبد الوهاب من العلماء الصالحين وكان يتفرس فيه ذلك ويذمَّه كثيرا ويحذر الناس منه وكذا أخوه سليمان بن عبد الوهاب أنكر عليه ما أحدثه وألف كتابا في الرد عليه .

وكان في أول أمره مولعا بمطالعة أخبار مدعي النبوة كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وطليحة الأسدي وأمثالهم)(1) انتهى ملخصاً .

ويروي صاحب (التعليقات على كشف الشبهات ) أن ولادته كانت سنة 1115هـ

 

وقال عنه العلامة جميل صدقي الزهاوي : (. . وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم ، يتردد على مكة والمدينة لأخذه من علمائها ، وممن أخذ عنه في المدينة : الشيخ محمد بن سليمان الكردي ، والشيخ محمد حياة السندي ، وكان الشيخان المذكوران وغيرهما من المشايخ الذين أخذ عنهم يتفرسون فيه الغواية ، والإلحاد ويقولون : "سيضل الله تعالى هذا، ويضل به من أشقاه من عباده " فكان الأمر كذلك ، وكان أبوه عبد الوهاب (وهو من العلماء الصالحين ) يتفرس فيه الإلحاد ، ويحذر الناس منه ، وكذلك أخوه الشيخ سليمان . .) (2).

 

وكان جده سليمان راعيا فقيراً رأى في منامه كأن شعلة نار خرجت منه وانتشرت في الأرض وصارت تحرق من قابلها فقصها على معبر فعبرها بأن ولدا له يحدث دولة قوية فتحققت الرؤيا في حفيده محمد بن عبد الوهاب .

 

تعريف سليمان هذا:

يروي مشايخ نجد أن سليمان هذا اسمه الحقيقي شولمان قرقوزي (أي بائع البطيخ) من يهود الدونمة ، خرج من بلدة بورصة بتركيا ، مع زوجته إلى بلاد الشام ، فأصبح اسمه سليمان بن علي ، واستقر في ضاحية ( دوما ) في دمشق ، وأخذ يتاجر بالدين هذه المرة لا بالبطيخ ، فاكتشفه أهالي سوريا ، ورفضوا تجارته ، وربطوا قدميه ، وضربوه ضرباً أليما ، وبعد عشرة أيام أفلت من رباطه ، وهرب إلى مصر ، وما هي إلا مدة وجيزة وطرده المصريون ، فسار إلى الحجاز واستقر في مكة ، وأخذ يشعوذ فيها باسم الدين فاكتشفه أهالي مكة فطردوه ، فسار إلى المدينة المنورة ، لكنهم أيضا طردوه .. كل ذلك في مدة لا تتجاوز الأربع سنوات ، فغادر إلى نجد واستقر في بلدة اسمها العيينة ، وهناك وجد مجالا خصباً للشعوذة ، فاستقر بنجد وادَّعى أنه من سلالة ربيعة ، وأنه سافر به والده صغيراً إلى المغرب العربي.(3)

 

ورغم أننا نؤمن أن من الأعراب من هو أشد خطراً على الإسلام من اليهود والنصارى ، حتى قال الله سبحانه وتعالى فيهم ( الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله) فإن هذه الرواية لا تستبعد ، و لا يضير ذلك عبدالوهاب وابنه سليمان حيث اشتهرا بحسن الإسلام ، ويكون هذا المدعو محمداً قد نزغ به عرقه اليهودي ، وفي تدميره لبلدته العيينة دليل على ذلك ، إذ حب الوطن من الإيمان وكيف لمسلم قتل أهله وعشيرته الموحدين ، ومن رأى صورة الحفيد محمد هذا في كتاب الفرقة الوهابية في خدمة من ؟! وهو يخطب على أجساد المسلمين في النجف بالعراق بعد أن غزاها وأنصاره لن يشك في يهوديته .

 

لقد كان محمد بن عبدالوهاب مغرماً بكتابات ابن تيمية الحراني وتلميذه ابن القيم الذين اشتهرا بعقيدة التجسيم ودعوى فناء النار ، وهذا أكثر ما أثر في دعوته ، ويقول محمود شكري الألوسي في كتاب تاريخ نجد: ( أن ابن عبد الوهاب نشأ في بلد العيينة من بلاد نجد فقرأ على أبيه الفقه على مذهب أحمد بن حنبل وكان من صغره يتكلم بكلمات لا يعرفها المسلمون وينكر عليهم أكثر الذي اتفقوا على فعله لكنه لم يساعده على ذلك أحد فسافر من العيينة إلى مكة المشرفة ثم إلى المدينة ثم عاد إلى نجد ثم رحل إلى البصرة وأظهر هناك من الزيغ ما دعا المسلمين إلى طرده فخرج هاربا إلى بلد (حريملاء) فوقع بينه وبين أهلها نزاع بسبب آرائه فنهاه أبوه عن ذلك فسكن إلى أن مات أبوه بعد سنتين أي عام 1153 هـ ، فتجرأ على إظهار عقائده التي ترمي أهل الإسلام بالشرك ، وتبعه حثالة من الناس إلى أن غص أهل البلد من مقالاته فهموا بقتله فانتقل من حريملة إلى العيينة ، ورئيسها يومئذ عثمان بن أحمد بن معمر ، وطلب منه مناصرته وقال له : (إن نصرتني ملكت نجداً) فلم يسمع منه وخرج إلى الدرعية سنة 1160 هـ ، وهي بلدة مسيلمة الكذاب ، فبايعه محمد بن سعود فخرجا لقتال المسلمين . ومات ابن عبدالوهاب سنة 1206هـ) (4)

 

لقد كان بقاء محمد بن عبدالوهاب هذا في البصرة نقطة تحول جذري في حياته ، حيث وجد فيه رجال المخابرات البريطانية ضالتهم ، فهو شاب مهووس بجنون العظمة ، يتجرأ على الفتيا ويدعي الاجتهاد ، ويريد الوصول إلى الشهرة بأقصر السبل ، فما كان من ضابط بالمخابرات البريطانية ، ويدعى المستر همفر إلا أن تبنى قضيته ، ولازمه في صداقة حميمة ، ليصنع منه زعيماً روحياً تموت على يديه روح الجهاد المقدس ضد المستعمرين النصارى والتي عانى منها الإنجليز الأمرَّين في شبه القارة الهندية ، ويتحول الجهاد إلى فتك بالمسلمين بدعوى محاربة الشرك والوثنية وعبادة القبور على الرغم من أن الرسول الكريم قد نصَّ على أن الشيطان قد آيس أن يعبده المسلمون في قوله: )قَدْ يَئِسَ الشَّيْطَانُ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) رواه أحمد.

 

لقد عاد حفيد شولمان المسمى زوراً محمد ، كما سُمِّي المستر فيلبي زورا (الشيخ عبدالله ) من البصرة هارباً إلى العيينة يرافقه أستاذه همفر - الذي كتب مذكراته مع ابن عبدالوهاب - ومجموعة من رجال المخابرات البريطانية في صورة رقيق اشتراهم من البصرة ، وسرعان ما اتفق مع محمد بن سعود أمير مدينة الدرعية في نجد فقوي كل منهما بالآخر حيث تقاسما السلطة : لإبن سعود السلطة السياسية ، ولإبن عبدالوهاب السياسة الدينية ، حيث ما يزال عقبه يتولون الزعامة الدينية ويُدعَون (آل الشيخ ) وهذا مما يدل على زيغ هذه الفرقة فمتى كان العلم وراثياً؟!

 

أول غاراته على المسلمين:

لقد سارت أول سرية للإغارة على المسلمين في بلاد الجزيرة بمباركة الشيخ حيث يقول مؤرخ الوهابية عثمان بن بشر النجدي في كتابه (عنوان المجد في تاريخ نجد) ج1 ص 15 : ( ثم أمر الشيخ (أي محمد بن عبدالوهاب ) بالجهاد وحضهم عليه ، فامتثلوا فأول جيش غزا سبع ركايب ، فلما ركبوها وأعجلت بهم النجائب في سيرها سقطوا من أكوارها لأنهم لم يعتادوا ركوبها، فأغاروا أظنه على بعض الأعراب فغنموا ورجعوا سالمين ) ونحن نتساءل عن الموجب للإغارة على هؤلاء الأعراب ؟! وما هو المسوغ لأخذ مالهم غنيمة ؟! .

 

وبعد خمس عشرة سنة اتسعت ولاية الوهابية نتيجة الغارات ؛ وتركيع القبائل البدوية المجاورة التي كان يغلب عليها الجهل فتبعت المذهب الوهابي ، حيث جمعوا أموالاً عظيمة من الغارات ، وصار جيشهم يربو على مائة وعشرين ألف مقاتل .

 

تقواه وورعه:

نسرد هنا مثالين بسيطين من أفعاله كافية لأن تهوي به في قعر نار جهنم ، تحقيقاً لقول الله سبحانه في قاتل المؤمن متعمداً وبغير حق ، وإلا فإن تأريخ هذا مملؤ بدماء المسلمين:

 

  1. قال الشيخ أحمد زيني دحلان : (وهم يمنعون من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على المنائر بعد الأذان حتى إن رجلا صالحا كان أعمى وكان مؤذنا وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم ، فأتوا به إلى محمد بن عبد الوهاب فأمر به أن يقتل فقتل ، ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق وفي هذا القدر كفاية)أهـ.
  2.  
  3. . لقد هجم محمد بن عبدالوهاب على بلدته الأصلية العيينة فجعلها قاعاً صفصفاً ؛ حيث اغتال حاكمها عثمان بن معمر في مصلاه بالمسجد يوم الجمعة وسماه مشركاً ، وهو كما قالت عاتكة:

شلَّت يمينك إنْ قتلتَ لمسلماً               حَلَّتْ عليك عقوبةُ المتعمِّد

ثمَّ قتل رجالها كلهم وهدم بيوتها وأحرق أشجارها وقطع نخيلها واستولى على النساء والحيوانات وتركها خراباً ، وحرَّم بناءها أو سكناها منذ مئتي سنة وزعم كذباً وفجوراً أن الله أرسل للعيينة الجراد فأكلها عن آخرها! (1)

 

أمانته:

يقول مؤرخهم عثمان : (وكان الشيخ -رحمه الله- لما هاجر إليه المهاجرون ، يتحمل الدَّين الكثير في ذمته لمؤونتهم وما يحتاجون إليه ، وفي حوائج الناس وجوائز الوفود إليه من أهل البلدان والبوادي ، ذكر لي أنه حين فتح الرياض وفي ذمته أربعون ألف محمدية (عملة نقدية) فقضاها من غنائمها) مع أن أهل الرياض كانوا حنابلة لكنهم استباحوا أموالهم ، فترى أنه قضى أربعين ألف محمدية من أموال أهل الرياض ، كيف استباح الشيخ ذلك من هؤلاء الناس ؟! أليسوا أهل عقيدة ؟! ألا يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله ؟! أما في كلمة "لا إله إلا الله " معصم لهؤلاء ؟! تم قال : (وكان لا يمسك على درهم ولا دينار، وما أوتي إليه من الأخماس) ولنقف عند كلمة الأخماس ، فإنه لا يخمَّس إلا ما يغنم من مال المشرك أما مال المسلم فلا يخمس بأي حال من الأحوال .

 

يقول : (وما أوتى إليه من الأخماس والزكاة يفرقه في أوانه ، وكان يعطى العطاء الجزيل بحيث إنه يهب خمس الغنيمة العظيمة للاثنين أو الثلاثة ، فكانت الأخماس والزكاة وما يجبى إلى الدرعية من دقيق الأشياء وجليلها تدفع إليه بيده ، ويضعها حيث يشاء). وهذا بكل وضوح هو أسلوب اللصوص قطَّاع الطرق الذين يوزعون مسروقاتهم على عصابتهم.

 

بل وكان من عادة إبن عبدالوهاب وأتباعه أسر النساء والأطفال ، ولم تنتشر سرقة الأطفال في أرض الجزيرة العربية وبيعهم في أسواق نجد إلا بعد ظهور الوهابية ، وقد حكى ذلك المؤرخ المعروف صاحب الهوى الوهابي عبدالرحمن الجبرتي في كتابه (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) ونقلناها عند الحديث عن غزو الطائف(2)

 

 

من أقوال العلماء فيه:

أقوال العلماء في هذا الزائغ لا يتسع لها مقالنا ولكن نورد التالي:

 

وقد جاء من تأليفه برسائل           يكفِّر أهل الأرض فيها على عمد

ولفق في تكفيرهم كل حجة          تراها كبيت العنكبوت لدى النقد (3)

     وصدق والله.

 

وقد رد بعض أتباع الأئمة الأربعة عليه وعلى مقلديه بتآليف كثيرة جيدة:

وأول من ردَّ عليه أكبر أساتذته الشيخ محمد بن سليمان الكردي مؤلف حواشي شرح ابن حجر على متن بافضل (وهو متن مشهور في المذهب الشافعي) ، فقال في جملة من كلامه (يا ابن عبدالوهاب كفَّ لسانك عن المسلمين ) والمؤسف أنه لم يكف لا لسانه ولا يده .

وممن رد عليه من الحنابلة : أخوه سليمان بن عبد الوهاب في كتابين تعرضنا لأحدهما .

ومن حنابلة الشام : آل الشطّي ،

والشيخ عبد القدومي النابلسي في رحلته

أما من المعاصرين فعدد لا يحصى من العلماء .

 

وممن نص على خروجه من الملة:

العلامة المحقق ابن عابدين الحنفي في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار)، في باب البغاة،

والشيخ الصاوي المصري في حاشيته على الجلالين لتكفيره أهل (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) برأيه.

 

عقيدته:

تتضح لك من أقوال العلماء السابقين أكثر جوانب عقيدته ، وهي تنحصر في أربعة أمور:

  1. تشبيه الله سبحانه وتعالى بخلقه والتحيُّز في جهة.
  2. دعوى محاربة عبادة القبور وتحريم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيارته.
  3. تكفير المسلمين ورميهم بالشرك.
  4. استحلال دماء المخالفين وأموالهم.

 

ومن البدع التي أخرجها هو وقومه ترك العمائم ، مع أنها من السنة ، وهي تيجان العرب ، فترى أتباعه اليوم شغلهم الأكبر في صلاتهم إصلاح هيئة الخرق الحمراء ! التي تنسدل على جباههم وجنوبهم .

هذا باختصار شديد ، وإلا فإن شخصاً كهذا يحتاج إلى دراسة متأنية لخطورة دعوته ، وعموم فتنته.

 

ملاحظة:

كما انخدع الكثير من الناس بالطاغية أتاتورك ، حتى قال فيه شوقي :

(يا خالد الترك جدِّد خالد العربِ) ، فإن الكثير من المسلمين البعيدين عن بلاد الجزيرة انخدعوا بابن عبدالوهاب ، ومنهم الصنعاني صاحب سبل السلام ، فقال فيه:

سلامٌ على نجدٍ ومن حلَّ في نجْــــدِ           وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي

حتى إذا أتاه الخبر اليقين قال:

رجعت عن القول الذي قلت في النجدي          فقد صحَّ لي عنه خلاف الذي عندي

ومنها ما ذكرنا في مقالنا ، وكذلك انخدع به السيد محمد رشيد رضا منشئ مجلة المنار فألف كتابه الوهابيون والحجاز ، وما ذلك إلا لكراهيته للأشراف وحبه في زوال دولتهم فليتنبه المسلم.

 

الهامش:

  1. وقد ذكرنا الحديث في هذا الموضوع في مقالتنا ( استباحة دماء المسلمين في المساجد ) ونقلنا أقوال محمد بن عبدالوهاب حرفية هناك فلتراجع.
  2. من ( خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام ) للشيخ أحمد بن زيني دحلان نقلا عن السيد أبو العلى التقوي ، الفرقة الوهابية في خدمة من ؟ الإرشاد للطباعة والنشر ، بيروت - لندن ، عند حديثة عن إبادة الوهابية لقبيلة بني مالك ص 139
  3. نقلا عن الشيخ عبدالله الهرري ، المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية ، ط دار المشاريع ص 44-45
  4. جميل صدقي الزهاوي ، الفجر الصادق ص 16 ط مصر عام 1323هـ.
  5. الفرقة الوهابية في خدمة من؟ ص29
  6. السيد محسن الأمين العاملي ، تجديد كشف الارتياب ص 12-14

 

 

تعريف بالشيخ عبدالله فيلبي!

لقد ذكرنا أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب عاد من البصرة وحوله كوكبة من النصارى المستشرقين الإنكليز ، في صورة رقيق اشتراهم الشيخ خلال رحلته ، ولم يكن هؤلاء بطبيعة الحال إلا الجماعة المشرفة على المخطط المعد في وزارة المستعمرات البريطانية لإنشاء إسلام جديد ، يكون فيه الجهاد حياً نشيطاً ، وذلك نتيجة لتجربتهم المريرة مع المسلمين في شبه القارة الهندية الذين رفعوا راية الجهاد ضدَّ المستعمر الإنجليزي ، فرأى الإنجليز لزاماً عليهم وهم أهل الدهاء والمكر- إن أرادوا البقاء في العالم الإسلامي فعليهم تصميم إسلام جديد يفرضونه على المسلمين فرضا ، فتم تصميم حركة جديدة صورتها صورة الإسلام داخل وزارة المستعمرات البريطانية ، وليكن تطبيقها بالقرب من أقدس أماكن المسلمين ؛ ولكن ما يميز هذه الحركة أن الجهاد هذه المرة مسلَّطٌ على رقاب المسلمين حيث أصبحوا مشركين عبدة قبور وأصنام في الشريعة الوهابية ، لا على رقاب دول الاستعمار ، كما كان حال المسلمين في العالم عموماً ، فاستحمَّ القتل في أهل شبه الجزيرة العربية ، ووصل إلى العراق وبعض بقاع بلاد الشام ، والوقوف أمام أي تحرك لجمع كلمة المسلمين.

لقد اهتم النصارى الإنجليز اهتماماً كبيراً برعاية الحركة الوهابية الناشئة ، كيف لا وفيها بارقة الأمل لا على القضاء على ذروة سنام الإسلام فحسب بل إلى شغل المسلمين بأنفسهم ، فأخذوا يرعونها بواسطة عملائهم ، منذ المستر هامفرد مروراً بشكسبير الذي قتل في معركة الجراب بين الوهابية وآل رشيد ثمَّ جون فيلبي ، وفي مقالنا هذا سنتعرض لهذه الشخصية بشيء من التعريف نتيجة لدورها في القيادة المباشرة للوهابية عسكرياً وسياسياً ردحاً طويلا من الدهر.

 

من هو فيلبي؟:

هو الكولونيل هاري جون سانت فيلبي ولد في 3 أبريل 1885 في جزيرة سيلان (سريلانكا) ، وانتقل إلى بربطانيا سنة 1891 وأكمل دراسته في جامعة كامبردج سنة 1907 ، ثم درس التاريخ والقانون الهندي ، وتعلم اللغات الفرنسية والألمانية والهندستانية والفارسية والعربية ، وعاد إلى الشرق ضمن أفواج المخابرات البريطانية ، أمثال كتشنر ولورنس ومكماهون ، وكوكس ومس بل وكلايتون ، وغلوب وولسون.

 

وهو والد هارولد كيم فيلبي الذي كان دبلوماسياً بريطانياً رفيع المستوى ، ومن كبار ضباط الاستخبارات البريطانية ، ولكنه في نفس الوقت كان عميلاً مزدوجاً للمخابرات الروسية (كي . جي.بي) ، ثمَّ هرب بعد إلى روسيا عام 1936م بعد افتضاح أمره ، وقد ذكر قصته (بيتر رايت) في كتابه الشهير (صائد الجواسيس) ، وهكذا كان الأب جون فيلبي حيث اشتهر بازدواجية العمالة للمخابرات الأمريكية (سي.آي.إيه.) ، مع عمله في المخابرات البريطانية.

 

استدعي الشيخ فيلبي! للإشراف على سير الحركة الوهابية مباشرة بعد مقتل الكابتن شكسبير في معركة الجراب سنة 1915، في مواجهة آل رشيد الذين رأت فيهم بريطانيا ولاءً للسلطة العثمانية ، فاستطاع الوهابية مشاغلتهم فلم ينجدوا السلطة العثمانية ساعة احتلال القوات البريطانية للبصرة.

بعد انسحاب القوات الوهابية إلى بريدة وانسحاب آل رشيد إلى القصيم ، وصل فيلبي الخبير من المخابرات البريطانية داعماً الإستراتيجية الهادفة إلى شغل المسلمين بأنفسهم ، واللعب بأذهان الأتراك خلال الحرب الكونية الأولى ، فكان أن حرَّك القوات الوهابية على محورين:

المحور الأول : قتال آل رشيد في الشمال الشرقي.

المحور الثاني : قتال الشرفاء في الحجاز.

فبالنسبة للمحور الأول ؛ ففي سنة 1917 أوفدت بريطانيا حسب ما ذكره ديكسون في كتابه (الكويت وجاراتها) كلاً من الكولونيل هاميلتون والكولونيل كانليف أوين ممثلي المخابرات البريطانية في العراق من البصرة إلى نجد لدفع الوهابية لاستئناف التحرشات بابن رشيد ، وذلك لدى بدء الزحف على العراق ، وقد تم الاتفاق مع الوهابية على المباشرة بمهمتهم فور وصول الإمدادات اللازمة ، وقد تعهدت بريطانيا بتقديم الأموال والأسلحة والمشورة العسكرية .

وبناء على الاتفاق حملت بعثة برئاسة جون فيلبي مبالغ طائلة من الجنيهات الذهبية وريالات ماريا تريزا إلى الوهابية وكانت موضوعة في صناديق متينة ، في الوقت الذي لم تكن فيه موارد الوهابية تتجاوز المائة ألف ريال إضافة إلى المساعدات السنوية البريطانية البالغة ستين ألف ريال.(1)

وقد سلّم فيلبي إلى قائد الوهابية في حينه مائة ألف ريال على الحساب للبدء بتجنيد القبائل على أساس أن الأسلحة ستصل لاحقاً.

وقد بدأت كميات الأسلحة تصل تباعاً ، وكانت دفعة منها وصلت تبلغ خمسة آلاف بندقية ومائة صندوق ذخيرة ؛ ولما نشبت المعركة كان الذي خطط لها جون فيلبي ؛ فلم يجرؤ العميل البريطاني(2) على المشاركة الفعلية خوفاً من مصير شبيه بمصير النقيب شكسبير ، بل هو اكتفى بمراقبتها من شرفة عالية في برج قريب.

 

وخلال هذه الفترة عمد إلى تكتيك جديد وهو استخدام المال وتقديم المغريات كوسيلة لتحريك الحساسيات والعصبيات ، فساعدهم بعض آل رشيد على الاستيلاء على بعض قرى منطقة حائل عاصمة آل رشيد.

وكان هذا من مسهلات معركة (الروضة) حيث احتلت قريتا (بيضاء نثيل) و (الشعبية) وقتل الوهابية المصلين عند الصباح بالمساجد في شهر رمضان على أساس أنهم من المشركين ، كما هتكت الأعراض ونهبت الأموال.

ثمَّ استطاعوا بمعاونة بعض العملاء من الاستيلاء على جبل شمَّر (جبل طيء سابقاً : أجأ وسلمى) وأخذوا يمارسون الإرهاب ضدَّ أهله ، ولا سيما في قرية (عقدة) ، وبعض القرى المجاورة ، حيث قتلوا عدداً من الفلاحين الآمنين ، وهكذا انفتح الطريق أمام الوهابيين إلى حائل وكان للخيانة - كما خطط لها فيلبي - دور كبير في سقوطها ، بعد أن حشد لها الوهابية جيشاً كبيراً ، فسقطت في أيديهم في 29 صفر 1340 / 2 نوفمبر 1922.

 

أما بالنسبة للمحور الثاني : فبعد أن رفض الشريف حسين قبول الاتفاقات التي نعرفها اليوم بين الإنجليز والفرنسيين والصهاينة بخصوص ما أسموه بمنطقة الشرق الأوسط من وعد بلفور إلى اتفاقية سايكس بيكو ، على الرغم من محاولات الرشوة والتهديد من البريطانيين ، يقول الدكتور صلاح العقاد ( والحق أن معارضته (الشريف) الوطن القومي اليهودي في فلسطين ، وما ترتب على ذلك من رفض معاهدة فرساي كان أقوى الأسباب التي باعدت بين الشريف حسين والحكومة البريطانية)(3)

ورداً على الشريف هيأ الإنجليز للوهابية الهجوم على الحجاز ، ولم يكتفوا بالمشورة والإمدادات العسكرية هذه المرة ، فهم قد استطاعوا إمدادهم بالتغطية الشرعية عن طريق استصدار الفتاوى لا من أتباع محمد بن عبدالوهاب فقط بل حتى من بعض مستعمرات التاج البريطاني ، وكذلك بتخريب مقومات القوة العسكرية الشريفية ، ولا سيما الطائرات الحربية التي كانت بحوزتها ، والتي استطاع العملاء البريطانيون السريون تعطيلها.

وقد كان فيلبي هو الذي استطاع خداع الشريف فطرح وساطته بينه وبين الوهابية عند زحفهم على الحجاز ، فاستطاع أن يطلع على أوضاع الجيش الشريفي ليضع للوهابية الخطط الكفيلة بالقضاء عليه . فبعد أن زار جدة أكد فيلبي لقائد الوهابية أنها ( من الناحية العسكرية عاجزة عن الصمود كما أكد له أن غالبية أهلها يريدون نهاية سريعة ) .

يقول فيلبي ( بعد أن يئسنا من من الحسين حركنا جنود الإخوان (كان هذا اسم جنود الوهابية الذين انشقوا في ما بعد) بقيادة خالد بن لؤي وفيصل الدويش وسلطان بن بجاد لسفك دماء غزيرة في الطائف لتوقع الرعب في قلوب الحجازيين : البادية والحاضرة ، ونوفر بها على بقية المدن الحجازية دماء أخرى إن أمكن الأمر ، وإلا فإن دماء غزيرة لابد من إراقتها لأن الإنجليز قرروا إسقاط حكم الشريف حسين بأي ثمن بعد أن رفض الأمر والطلبات بإعطاء فلسطين لليهود المشردين المساكين ، وبعد أن رفض الحسين ما عرضناه عليه بأن يكتفي بالحجاز وحده ، وأن يغير وجهة نظره في توحيد البلاد العربية كلها تحت حكمه)(4)

 

ومنذ بداية 1926 أصبح فيلبي المستشار الخاص لزعماء الوهابية فبقي ملازما لهم ردحاً طويلا من الدهر ، وقد أسهم إسهاماً كبيراً في تعميق الروابط بين الوهابية والصهاينة ، حيث قدم حاييم وايزمان الزعيم اليهودي رشوته لقادة الوهابية عن طريق فيليبي هذا ؛ ليعينوهم على إقامة دولة صهيونية في فلسطين ، وقد ذكرنا القصة بكاملها عند حديثنا عن دور الوهابية في ترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين.

هذا بإيجاز أما الكثير من أفعاله وأقواله فستجد خبرها في مقالاتنا المختلفة في هذا الكتاب .

 

 

للتوسع يراجع:

  1. د. محمد الخطيب ، صفحات من تاريخ الجزيرة العربية
  2. خيري حماد ، ( عبدالله فيلبي) ص 215
  3. د. صلاح العقاد ، جزيرة العرب في العصر الحديث ، معهد البحوث والدراسات العربية ، القاهرة 1960 ، ص 41
  4. ناصر السعيد ، تاريخ منشورات اتحاد شعب الجزيرة العربية ، مغفل التاريخ ، ص 359

ومن المراجع التي ننصح بالجوع إليها أيضاً كتاب الفرقة الوهابية في خدمة من ؟ للسيد أبو العلى التقوي .